وكأن غراب الموت ينعق في فضاء وجهي
ثكلتني أعوام أوجاعي
بقايا نفثاتٍ من دخان اللوعةِ والإشتياق
تحرقُ رُفات أنفاسي
..في أخر ليلة من ليالي أيلول الماضي كنت أترقب أميال ساعتي بصمت ... أستعجلتُ الزمن بدعائي وتوسلي الى الله أن تُطوى ورقة شهر خيّم علينا بحزنه الأبدي ..تمنيت على هذا الشهر أن يدع لنا ولو فسحةً واحدة من الأمل لنعيش بسلام ..! ولكن لعبة القدر كانت أقوى سُلطة من أمنياتٍ هشة كنتُ أُمّني بها نفسي ..! أستنشقت زفير أخر دقيقة في ساعتي 11:59 تنفستُ صُعداء ذاتي وتمتمتُ في قرارة نفسي :الحمد لله سينتهي أيلول وتنتهي معه أحزان عائلة كبيرة تشتاق لتضم كل أبنائها بين جدران المنزل القديم الذي مازال يتنشق عطر وردة الشغف التي زرعتها أنامل أبي ورواها أخي برضاب رمقهِ الأخير.!
لأقطفها أنا وأخوتي في أولى ساعات أكتوبر حينما أعلن الموت جبروته وبكل تحدي ..!
حينها أيقنتُ أن خرزات المسبحة قد تبعثرت هنا وهناك على صندوقٍ مُتخم بالذكريات عمرهُ بعمر إرثنا العائلي ..
..فاق الحزن الخيال وخيّم الصمت على أركان البيت الهزيل وتوشح حزن أمي بالصبر والصلاة ..!
باسمة السعيدي
1/أكتوبر/2015
*&*&*
الى عائلتي :
...كلمات ثائرة كُتبتْ في عام 1982 ولم تُنشر إلا بعد عام من رحيلكَ يا أبن أم ..!
وكأنكَ ترجمت بهذه الأحرف قصة مجدكَ أيها المحارب الفذ وأنتَ تُنعي روحكَ بشهادة
أخر ساعات أيلول 2014..
لنجتمع معاً على مائدة الصبر الوداع ..
إنا لله وإنا اليهِ راجعون في فقدكَ أخي الحبيب أبا يحي
هل تعلمين يا أماه
عصفوركِ الصغير
انك تعرفينه
لايزرع في قلبهِ آه
أبنكِ صرح شامخ
ظلم لايرضاه ..
أفتخري بهِ بين قومكِ
وقولي لهم
أن يكن..
مكبلاً ..
أسيراً ..
حزيناً ..
في قفصٍ بين القضبان
في قلعةٍ بين الجدران
أسأليهم فرداً فرداً
قاضيهم ..
شرطيهم ..
بل حتى السجان
أماه أسأليهم ..
عن قومِ هذا الزمان
عن قيمةٍ أسمها الإنسان
سأقاوم ..
سأكون مناضلاً ..جندياً
عند ظنكِ يا أماه ..
فارساً بين الفرسان
*&*&*&
آماه
فرحت السنين
ورقصت العذارى
يتأملون ..
اليوم المنشود
أملين
نحطم القيود
ونمضي بالدماء ..بالفداء
نوفي عهد الجدود
لن أرجع يا أمي ..
الى أن يَسمى الوجود
لتكون الحقيقة لها ..
لا حواجز لاحدود ..
يا أمي حينها
سأعود ...
سأعود ...
*&*&*
لن يبقى الظلام
مادام هناك ثائرين تدك الأوهام
ندوس على الأحلام
نجعلها حقيقةً للعالم
لايوجد عذاب
مادامت تسري الأيام
نسحق التافهين ..
الأخرين من الأقزام
*&*&*
أماه
في وجهكِ ...
أصل الى الشمس والفضاء
في ذكركِ
الخبز ..الماء ...الهناء
لامأساة لاشقاء
لي الأرض أنتِ والسماء
في وجهكِ الحنين ..
لاتهمني الحياة
لازادٌ لاغذاءٌ ..لاهواء
أماه
أستطيع أطير الأن
قريباً لكوخنا ..لحديقتنا
لوجهكِ ..
سأعود ..
سأعود ..
قصي السعيدي
1982
*&*&
شكر وثناء لأختي وحبيبتي وسن السعيدي لأنها أحتفظت بكتابات الحبيب أبا يحي لكل هذه الأعوام الطوال حتى أصفرّتْ وريقات الذكريات لقِدمها وحفظها في خزانة الماضي العبق
..فالذكريات هي الوطن الوحيد الذي لايهجره أحد !
Soso Al Saeedi