الجمعة، 19 أكتوبر 2012

رحلة مع أبي الطيب المتنبي ...مفرشي صهوة الحصان ولكن قميصي مسرودة من حديد

 
 
 
 
 
 
وما لحسن في وجه الفتى شرفا ً له ُ .........إذا لم يكن في فعله و الخلائق
أذا أنت لم تعرف لنفسك حقها ............هوانا بها كانت على الناس اهونا
فنفسك أكرمها و إن ضاق مسكن ...........عليك بها فأطلب لنفسك مسكنا
هي النفس ما حملتها تتحمل ..............و للدهر أيام تجور و تعدل ُ
 
 
 
و عاقبة الصبر الجميل جميلة ...............و أفضل أخلاق الرجال التفضل
ملكنا و كان العفو منا سجية .............و لما ملكنا سال الدم ابطح ُ
فحسبكم هذا التفاوت بيننا ................و كل إناء بالذي فيه ِ ينضح
و عينك إن أبدت أليك معايبا ً............. لقوم فقل: يا عين للناس أعين ُ !
 
 
 
و نفسك إن هانت عليك فأنها ............على كل من تلقى أذل ُ و أهون
و ما أقبح التفريط في زمن الصبا ......... فكيف به ِ و الشيب ُ للرأس ِ شامل
و لما تلاقينا قضى الليل نحبه ُ ............ بوجه كوجه الشمس ما ان له مثل
يا جار ُ جار َ علي الظالمون كما .............جاروا عليك و لم ترحل و لم تثر
 

 
ألقاه في الماء مكتوفا ً و قال له ُ ............... إياك َ إياك َ أن تبتل بالماء
هي الدنيا تقول بملء فيها ...............حذار حذار من بطشي و فتكي
أنا و الهم صاحبان كلانا ...................... صادق الود حافظ للعهود
 
 
أبو الطيب المتنبي
 
 
 
 
 
 
 
مفرشي صهوة الحصان ولكن قميصي مسرودة من حديد
رحلة مع أبي الطيب المتنبي
 
 
 
 

المتنبي أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي ولد سنة 303هـ الموافق 915مـ في محلة كندة في الكوفة، وتوفي مقتولا على يد رجل قرمطي يدعى فاتك بن أبي جهل الأسدي وذلك في أثناء عودته من مصر،ثم إلى شيراز، فبغداد، فالطريق إلى الكوفة حيث لقي مصرعه مع ولده ( مُحَسَّد، وغلامه ( مفلح ) على مقربة من ( دير العاقول ) في الجانب الغربي من سواد الكوفة معقل الدعوة القرمطية الباطنية في بلاد العراق؛ وكان ذلك في شهر رمضان من سنة 354هـ الموافق سنة 965مـ، فتكون مدة حياته اثنتين وأربعين سنة.

وتنقسم حياته إلى فترتين: الصبا والشباب والتي انتهت في سنة 325هـ ، وفترة الدعوة إلى الثورة على الأوضاع القائمة في عصره، ومحاربته الباطنيين على مختلف أشكالهم، وعلى الأخص القرامطة، واستمرت حتى وفاته.

المتنبي كما يقول النقاد: ( مالئ الدنيا وشاغل الناس )؛ إذ ما زالت ظاهرتان في شعره تحتاجان إلى تفسير؛ الأولى: ميله إلى الثورة -كما أشرت - وعجبه بنفسه؛ والثانية: جهاده ضد فرقة القرامطة الباطنيين على الرغم من اتهام بعضهم المتنبي بأنه كان قرمطيا!! وتنتج من هاتين الظاهرتين تهمة، وجهت إلى المتنبي، وهي ادعاؤه النبوة!!.

صدرت في العصر الحديث بمناسبة مرور ألف عام على وفاة شاعرنا- عدة دراسات تناولت تلك القضايا؛ كان أسبقها في الظهور كتاب محمود شاكر رحمه الله ثم كتاب عبد الوهاب عزام , وطه حسين، وأخيرا دراسة للدكتور محمد محمد حسين ( المتنبي والقرامطة ).

هناك دراسات لبعض المستشرقين تناولت حياة أبي الطيب، وعلى رأسهم بلاشير الذي اتهم المتنبي بأنه متأثر بالقرامطة؛ بينما ماسينيون رجح قرمطيته، وتبعه طه حسين؛ ولكن عبد الوهاب عزام نفى تلك التهمة، وأما محمود شاكر، فقد نفى عنه انتسابه إلى هذه الفرقة الإسماعلية الباطنية، وذهب إلى أنه علوي النسب!!!.

الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين يقول في دراسته المختصرة في ص: 34 ( المتنبي والقرامطة ) : (( أما نحن، فنرجح أن المتنبي كان عدوا للقرامطة خاصة، وللباطنية على وجه العموم.....) .وفي هذا المقال، وما سيتبعه من مقالات تتعلق بهذا الشاعر الكبير سنناقش هذه القضايا حتى نتوصل – إن شاء الله – إلى رأي راجح تطمئن إليه النفس.

قبل الدخول في التفاصيل سأعطي نبذة مختصرة عن الباطنية القرمطية, وعن الحالة السياسية في القرن الرابع الهجري ثم أتطرق إلى الوضع العام في الكوفة وما حولها( سواد الكوفة ).

القرامطة شعبة من شعب الباطنية الإسماعلية الشيعية الذين تظاهروا بالدعوة لآل البيت، وإنصاف المظلومين!! والمحرومين من المترفين؛ لكنهم يبطنون الإلحاد وهدم الدين، وتقوم دعوتهم على السرية وإباحة المحرمات، وإسقاط التكاليف الشرعية، ومحاربتهم خصومهم بوحشية وشراسة،وهم أول من استخدم أسلوب الاغتيالات، والإغارة على الآمنين. يقول صاحب الدراسة ( المتنبي والقرامطة ): أصبح أتباع الدعوة الباطنية قوة تبعث الرعب في القلوب منذ القرن الرابع. ففاضت كتب التاريخ بغاراتهم الوحشية حيث قاموا سنة 317هـ بمهاجمة الحجاج في يوم التروية، فأمر أبو طاهر القرمطي بنهب ضيوف الرحمن، وقتلهم في المسجد الحرام وفي داخل الكعبة، وقلع الحجر الأسود، وأخذه إلى هجر في الأحساء، ثم قلع باب البيت العتيق، وطرح قتلاهم في بئر زمزم، وقسم كسوة الكعبة بينهم!!!!!.

لقد اتخذوا من بادية السماوة مسرحا لهجماتهم على الكوفة وغيرها ويدعى زعيمهم آنذاك حمدان قرمط أحد أتباع المذهب الفاطمي ثم خلفه أبو سعيد الجنابي في البحرين ، وذكرويه بن مهرويه في شمال غرب العراق؛ ثم انشق القرمطي عن الفاطميين سياسيا،وفي بعض جوانب العقيدة، ولا سيما عندما ظهر الفاطميون في المغرب أولا ثم في مصر ثانيا، وقد كانوا من قبل في مدينة سلمية في بلاد الشام على بعد ما يقرب من أربعين كيلا غرب مدينة حمص، وإثر دخول الإمام الثاني عشر ( الحسن العسكري )  عليه السلام وهو من نسل الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهما السلام  السرداب سنة 260هـ في مدينة سامراء بالعراق، ظهرت هذه الفرقة مدعية أن إمامتها تعود إلى أولاد إسماعيل بن جعفر الصادق الذي توفي في حياة أبيه، وانتقلت إلى ابنه محمد الذي ذهب إلى بلاد الديلم وتبعه رجل يدعى الحسن بن الصباح، 1090مـ - 1124مـ مؤسس حركة الحشاشين في قلعة ألموت التي تقع في جبال البزر في إيران بالقرب من بحر قزوين، واستمرت دولتهم حتى سنة 1256مـ حيث طوى بساطهم هولاكو، وأراح العباد منهم, وخلاصة مذهبهم الإباحة المالية والجنسية, وشرب الخمر والإلحاد،والكفر بالأديان، وتفسير القرآن تفسيرا يعتمد على التأويل الباطني، فالإمام عندهم هو وجه الله، والصلاة عندهم الاتجاه القلبي للإمام، والصوم هو عدم إفشاء أسرار الدعوة ، والحج زيارة إمامهم، ومن معتقداتهم أن الله هو العقل الكلي أو المبدع الأول أو السابق والذي يرمز إليه في القرآن بالقلم ، وأن العقل الكلي أبدع النفس الكلية أو المبدع الثاني أو التالي والذي يرمز إليه بالقرآن باللوح المحفوظ، واللوح له صفات القلم؛ ولكن القلم أفضل بالسبق، وهما مشتركان في خلق المخلوقات؛ فالعقل الكلي عندهم يقابله عند المسلمين الله تبارك وتعالى .ثم زعموا – بحسب نظرية المثل والممثول – إلى العقل الكلي في العالم العلوي يقابله في العالم الجسماني الإمام. فكل صفات العقل الكلي هي صفات للإمام، فهو عندهم الفرد الصمد المنتقم الجبار!!!!!! حقا إنها ديانة فلسفية يونانية ثنوية من صناعة عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح اليهودي كما قال رينهارت دوزي، ونلاحظ أن هذه الأفكار قريبة من أفكار الماسونية.

يقوم على رأس جهاز هذه الدعوة المشبوهة الإمام الذي قسم العالم الإسلامي إلى اثنتي عشرة جزيرة يساعده في إدارة هذا الجهاز المكون من 8700عضو اثنا عشر حجة، ولكل حجة ثلاثون نقيبا، وكل نقيب منهم يتصل بأربع وعشرين داعية نصفهم معلن والآخر خفي، وهم منتشرون في الشام واليمن والعراق وبلاد فارس وغيرها إضافة إلى عدد من المساعدين للإمام مثل داعي الدعاة، وباب الأبواب ، وداعي البلاغ، وحجة الإمام، وللدخول في هذا المذهب مراسم وأساليب وطرق ينبغي أن يمتحن المنتسب إلى هذه الطائفة حتى يتوثق منه, ويعطى الأسرار ومن الجدير بالذكر أن محمد بن نصير النميري مؤسس المذهب النصيري من أتباعهم.

ولعل سائلا يسأل ما الهدف من هذا التفصيل الذي له علاقة بشاعر رحل عن الدنيا منذ أكثر من ألف عام؟؟.

الجواب باختصار إن هذه العقائد ما زالت تمارس سياستها الخفية بدهاء ومكر وتقية وتحت شعارات براقة تستهوي الكثير من عامة المسلمين وخاصتهم حيث يدعو أتباع هذه المذاهب الباطنية الناس إلى أفكارهم بالمخادعة؛ إذ يظهر الداعية أمام المدعو في غاية التقشف والزهد في الدنيا، ويتلون كالحرباء بحسب البيئة التي يعيش فيها، فهو سني متطرف أمام أهل السنة، وصوفي من أقطابها في خلواتهم ودورهم كما أنه شيعي متعصب إلى آل البيت، فإذا ما اصطاد إنسانا عن طريق تشكيكه بدينه نقله إلى داع آخر وهكذا يترقى السالك من داع إلى آخر حتى يصل مرحلة تلقي الأسرار الباطنية التي لا صلة لها بأي دين، وتقدم للمدعو ترغيبات كثيرة قوامها شبهات وشهوات يسيل لها اللعاب ممن سلب عقله وتفكيره، وأصبح لا يفكر إلا بدنياه ومذهبه الجديد الذي سقط في حفره دون أن يدري. وأكثر من يقع في أساليبهم هم الفقراء والجهلة, وبعض الشباب الباحث عن المتع الرخيصة.

مخطئ من يظن أن هذه الدعوات قد انتهت، بل هي اليوم أقوى مما كانت عليه في الماضي، وقد استطاعت أن تنشئ أحزابا بأثواب جديدة، وكذلك دولا، وكيانات، ورفعت شعارات، وأسقطت حكومات، وتعاونت مع الشيطان لكي تهدم ما تبقى من قوة للمسلمين، فهل الحديث عنها يعد من نافلة القول والعمل؟!!، وحق للمتنبي أن يجاهد هذه الفئات الضالة، وأن يقدم حياته وروحه فداء لدينه مستنجدا بكل من يتوسم فيه الخير من هذه الأمة سواء كان في مصر أو الشام أو في بلاد فارس، ولقد حذر من خططهم، وكشف الكثير من أحوالهم وهو الذي تعرف عليهم عن كثب، وشاهد ممارساتهم الشاذة , وعاين أفعالهم الحيوانية الصرفة، فهرب من سوادهم ( سواد الكوفة ) وأقسم على أن ينتقم منهم فهل استطاع أن يحقق طموحاته؟ إن الطريق أمامه ليست سهلة معبدة، فالعديد من القبائل والأسر والبلاد والشخصيات قد وقعت في مصائدهم، وآمنت بمذهبهم رغبة ورهبة.  
 
 
 
 


      يقول أبو الطيب عن زعيم القرامطة :
وجيش إمام على ناقــة صحيح الإمامة في الباطل
وكثيرا ما يقول لسيف الدولة الحمداني على الرغم من أنه علوي شيعي، وتعد دولته من الدول التي أقامها الشيعة إلا أنها لم تكن إسماعلية باطنية ،ولا قرمطية، ولا فاطمية ،بل دافعت عن الخلافة العباسية ضد البويهيين.

يقول المتنبي مخاطبا سيف الدولة ومحذرا إياه من الروم والقرامطة:
أنت طول الحياة للروم غــاز فمتى الوعد أن يكون القفول
وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيــك تميـل
وكما قلت في أول المقال بأنني سأتطرق بشيء من التفصيل إلى الأسئلة التي أثيرت حول المتنبي والتي ما زال بعضها تتجاذبه الآراء والأهواء، ويحتاج الباحث لكي يقدم التفسير المقنع والجواب الشافي إلى مزيد من البحث والتمحيص والتنقيب.

وأختم المقال بشيء قاله المتنبي لكي أرطب أذن القارئ بجميل شعره: ( الأبيات في مدح حاكم مصر كافور الإخشيدي ):
كفى بك داء أن ترى الموت شافيـا وحسب المنايا أن يكن أمانيــا
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلــة فلا تسْتَعِدَنَّ الحسام اليمانيــا
فما ينفع الأسدَ الحياءُ من الطـوى ولا تُتَّقى حتى تكون ضواريــا
إذا الجود لم يُرْزَقْ خلاصا من الأذى فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا
وللنفس أخلاق تدل علـى الفتـى أكان سخاء ما أتى أم تساخيـا
 
 
 
بقلم مالك فيصل الدندشي
 
 
 
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

هذيان قلم خمسيني ..!

عبثاً نكتب ..! وخطوط أيدينا  تنزف صبراً .. 24/مارس/2016 باسمة السعيدي *&*& ...