الأربعاء، 24 أكتوبر 2012

العم صابر ..ونشيد العيد السعيد







 
 
 
خرجتُ يوم العيد بملبسي الجديد
أقولُ للاخوانِ هيا الى الدكانِ
فيومنا سعيدٌ وعندنا نقودٌ
نلعبُ طولَ اليوم الى زمان النومِ
نحن نحب العيدا ..نحبُ ان يعودا
فكله جمالُ ..يحبهُ الاطفالُ .
...
 
 
 
 
 
في هذه الكلمات الموسيقية  الجميلة المعبرة أبدأ  كتابة أسطري  المتواضعة
عطرت هذه الكلمات أسماعنا..وكحّلت بها عيووننا في مراحلنا  الدراسية الاولى  ..
كلنا ندرك أن في السنةِ عيدين ..العيد الصغير والعيد الكبير .. نشعر بسعادةٍ لامثيل لها بقدوم العيد ..!!
العيد فرحة ..ولقاء ..وملابس جديدة ..وعيديات ..ولعب ..وهدايا ..
لكننا لم ننسى أبداً أصدقائنا المتعففين والمحتاجين !
لم  نعرف  معنى كلمة فقير  ..لأننا نخجل من أن نقولها حتى لو في السر والخفاء !!
خوفاً من الله ..وخوفاً على مشاعر أصدقائنا ..
.....................

 العم صابر رجلٌ طيب وكريم الى أبعد الحدود ..متسامح حد اللعنة ..!!
يحملُ بين أضلعهِ قلباً محباً لكل الناس ..قلب من الذهب ..
...لم يغادر المدرسة الا بعد ان  يغادرها آخر طالب   وبعدها يبدأ بتنظيف المدرسة وأقفال  كل أبواب الصفوف بعد أن يقوم بتنظيفها  ..
وبعد اتمام  أعماله  يغلق الباب الرئيسي الكبير للمدرسة ...
و تحملهُ أقدامهُ  ماشياً َ الى بيته
شاكراً حامداً الله  ومُقبّلاً يمينهُ بكل رضا ..

...
كنا نتمنى أن نعلم أين يعيش العم صابر؟ كم عدد أولادهُ ؟؟ كيف يأكل وينام و..و..و!! لأننا أطفال كانت أمنياتنا صغيرة  جداً بحجم  قلوبنا الصغيرة  !!
أنا  أحب العم صابر جداً ..فمنذُ اليوم الاول الذي دخلت فيه هذه المدرسة  والى اليوم لم تغادرني صورتهُ الأبوية الرائعة
 يرتدي بدلته القديمة مع غطاء الرأس " اليشماغ الأحمر " ويضع العقال   على الطريقة  الدليمية الجميلة  ..
 نحب العم صابر لأنه حارس المدرسة والرجل الدؤوب في عملهِ ..والمبتسم لنا دوماً .. كالملاك   في هدؤه وطيبة قلبه ..
 يحب كل الطلاب ولا يجرح أيٌّ كان منا  .. لطيف في تعاملهُ  مع الجميع .
..فكلما وقعت عيني في عينهِ كانت تدمع  لطيبتهِ المفرطة
...
 
 ...  .. كنا  في مدرسة نموذجية رائعة جداً   لأبناء  العوائل الميسورة آنذاك
..و النظام الدراسي  في مدرستنا النموذجية  شديد جداً ومتنوع ..تجد فيه دروس الموسيقى  بكل أنواعها والعزف على البيانو وآلة الكمان ودرس اللغة الانكليزية  في الصف الأول  الأبتدائي الى المرحلة الاخيرة  وكان  من اهم هذه الدروس  درس "الأرشاد و الاخلاق" الذي ُينمّي لدى الطالب الشعور بالصداقة الحقيقة واحترام الزميل في مقعد الدراسة ومشاركة هموم الطالب الآخر ..وحل المشاكل  عن طريق الباحثة الأجتماعية  والتي كانت تؤدي دورها بكل جدية وتفاني وأخلاص  ..
  تتمتع  مدرستي النموذجية بأرستقراطية عالية جدا!!   كل الطلاب من المتميزين 
.....
شاءت الأقدار أن تجمعني بأحدى الزميلات وصديقات المرحلة الدراسية للصف الثاني الأبتدائي

 
" أسمها سعدية" كانت من أسرة بسيطة جداً وأنا أحبها. كثيراً .وهي تشاركني مقعد الدراسة
لم أحاول يوماً أن أجرحها بسؤال..! لِمَ هي معنا في مدرستنا النموذجية ؟
بل بالعكس رحبنا بها جميعاً وأحتفلنا بمقدمها في   الصف لتكون صديقةً جديدة لنا جميعاً
.......
 
..من عادات المدرسة ونظامها المتبع مع  بداية كل موسم شتائي تبدأ  مديرة المدرسة بتشكيل لجنة لجمع التبرعات.! ولكنها لم تكن تحت أسم  التبرعات !! بل هي ترزحُ تحت مسمىً آخر أكثر صدقاً ودفئاً : " معونة الشتاء  
سعادتنا لا توصف بجمعنا تبرعات تلك المعونة الشتوية للأصدقاء المحتاجين .
من الملابس ومسحوق الغسيل وانواع من الصابون والسكر والرز وغيرها وحتى اللعب والهدايا ..كلٌ يتبرع بما يحبهُ لأخيهِ  وما يتمناه لنفسه..
تعلمنا من المدرسة أجمل الدروس والعبر التي نفتقدها اليوم في جيلنا الحاضر الجديد  ..
 كانت  هذه من  أهم عادات تلك المدرسة النموذجية ..تطّبعنا بها وجُبلّنا عليها كعادةٍ سنوية
....
 
 
 
 
 
في الأيام التي قدمِتْ بها صديقتي سعدية الى المدرسة  كان العيد على الأبواب وكان الجميع يستعد  لأستقبال العيد السعيد  
كلٌ منا  يحكي لاترابهِ عن نوع الملابس الجديدة التي سيرتديها في هذا اليوم المميز
الا صديقتي  كانت صامتة لاتشاركنا فرحة العيد والحديث عن ملابسها الجديدة !!
بكيتُ كثيراً على صديقتي  التي تجالسني مقعد الدراسة وأنا أقوم بشراء ملابسي التي سأرتديها صباح يوم العيد ..
 تمنيت لو منحتها  فستاني  الجديد   ..
أسرعت الى أبي لأطلب منه مبلغاً من المال لأقدمهُ  الى سعدية ..
فَرِحَ والدي يومها  لما   راودني من صدق في المشاعر
ونكران الذات ..!
قلت له دون تردد : بابا .. جاءت الى صفي طالبة جديدة أسمها سعدية وهي بسيطة ومتعففة ولم تشاركنا فرحة العيد ونحن نَصِفُ ملابسنا الجديدة  ..
__قال والدي   يومها : وما الذي تريدينه مني بالضبط يابسمتي ؟
قلت له :بدلاً من التبرع لمعونة الشتاء أن تعطيني مبلغ من المال  لشراء ثوب العيد الى صديقتي حتى تشاركنا الحديث  بما سترتدي  هي يوم العيد !
قال ضاحكاً  :حبيبتي لكِ ما تتمنين
سررتُ جداً لان سعدية سترتدي فستاناً  جديداً لهذا العيد بدلاً من ملابسها الرثة القديمة...  
 
..في صباح اليوم التالي   وأنا متوجهة الى مدرستي كانت فرحتي كبيرة جداً لما أحملهُ معي في حقيبتي المدرسية   بعد أن  اعطاني أبي مظروفاً فيه مبلغ من المال..   ختم والدي  ذلك المظروف وأغلقهُ جيداً ..! لاخوفاً عليه  من الضياع   !
لكن كانت له حكمة وقد عرفتها  بعد أن كبرت وأصبحتُ أماً لاولادي الخمسة  وعرفت تماماً مالذي كان يدور في بال والدي رحمه الله ..
كان ينبهني الى قول الله عز وجل:
بسم الله الرحمن الرحيم




صدق الله العلي العظيم
....
 
وفي قول الرسول العظيم صلى الله عليه واله وسلم :
(من أخفى صدقتهُ حتى لا تعلم شمالهُ ما تُنفق يمينهُ ) صدق رسول الله
فَرحِتُ   جداً بهذا المظروف وكأنني أحمل ثروة مع العلم أنني لم أعرف  بالضبط  كم هو المبلغ الموجود  داخل المظروف !!
تساؤلات كثيرة ؟؟ وأولها
هل سيكفي لشراء  ثوب جديد لصديقتي   !
هل ستفرح سعدية ؟؟
......
 
...قبل دخول معلمتي الى غرفة الصف .أسرعت لها بتوجيه من أبي وأبلغتها بأن عندي مظروف  لصديقتي سعدية ..وتمنيت على معلمتي بان يبقى الموضوع سراً ..
وافقتني معلمتي على طلبي هذا ولكنها طلبت مني أن أذهب معها الى ادارة المدرسة للقاء السيدة المديرة ..
لحظتها شعرت بقلقٍ وخوف شديد !! بعد أن كنت فرحة وسعيدة بما أحمل معي  ..لا أعلم هل هو الخوف من أدارة المدرسة .!! أو ربما أكون قد اخطأت في شيء ما  داخل غرفة الصف لم يكن لي  به علمٌ أو دراية !
 
 
 
 
دخلنا معاً الى مديرتي و كانت تربطها بعائلتي علاقة صداقة .. ..
رحبت بنا وأبلغتها معلمتي بمبادرتي  وفرحت    بهذا المظروف..
لكنها طلبت مني شخصياً أن أُسلّمْ المظروف بيد سعدية .
أعتذرت باديء الأمر ..لا أتمنى على نفسي أن أجرح  سعدية ..حتى لو كنت أنا  أقرب صديقاتها !
قالت لي المديرة ..بارك الله بكِ أبنتي ..
وليكن لكِ ما ترغبين بهِ
 
 
 
 
 
دقت المديرة جرس الحراس وطلبت أن يأتي والد الطالبة المعنية ..
فاجأني طلب المديرة .
وهل والد سعدية يختبيء خلف باب غرفة الحراس؟؟
وأدهشني  أكثر عندما دخل عمو صابر الى غرفة الأدارة
صرخت بوجهه من الدهشة "
_ع..م..و......ص..ا..ب..ر...!!"
لم أصدق عيني لحظتها ..هل هي حقيقة أم حُلمْ ..!
العم صابر الذي أكُنَ له كل  الود والأحترام والتقدير
 
..... أنتابي شعور غريب وصمتٌ  للحظات ...!!  ثم أخذت أجهش بالبكاء ..!! لم أصدق ما رأت عيني وسمعت أذني ..!
..ضمتني المديرة بين أحضانها وسألتني ...؟
_ لمَ هذا البكاء ؟
قلت لها : لا أدري هل بكائي من شدة الفرح لعلمي بأن  العم صابر هو والد صديقتي
أم حزني على نفسي لأنني ربما أكون قد جرحت العم صابر بهذا المظروف !!
لا أدري لِمَ بكائي !!
فرحَ العم صابر بالمظروف وشكرني وتمنى لي الخير في العيد ولعائلتي ..
بطريقته الهادئة الأبوية التي أحبها  كثيراً
لكنني تمنيت عليه أن يكون الموضوع سراً لا تعلم به سعدية 
وعدني بأنه لا يخبر أبنته بهذا اللقاء الذي تم بحضور مديرة المدرسة ومعلمتي وأنا وهو ..!!   
...ذهبتُ الى صفي مع معلمتي بعد أن سَلّمتْ الأمانة الى العم صابر
شكرتُ القدر الذي جمعني بها وشكرت أبي لدعمه لي في هذا الموقف الشجاع !!
.....
جاء العيد ...وعمّت الفرحة بيتنا الدافيء بحب أبي وحنان أمي  وفرحتي وأخوتي في هذا اليوم السعيد... ولكن فكري مشغول ...  كيف هي سعدية الأن ؟؟ ماذا ترتدي بهذا اليوم ؟؟ هل عَلمِتْ بما دار بيني وبين العم صابر داخل غرفة الأدارة في ذاك الصباح  وووووو عشرات الاسئلة ...
..................
بعد العيد بيوم أو يومين يبدأ الطلاب بالعودة الى مقاعدهم الدراسية ..
وأذا  بي أرى من بعيد في ساحة المدرسة صديقتي سعدية وهي ترتدي ثوباً جميلاً ...مطرزاً ...ملوناً..رائعاً ..

 

...
 
 
 
 
 
 
.أدهشت سعدية... طلاب الصف جميعاً
 
وأنا فرحتُ جداً
لأنها سعيدة ومسروره بملابس العيد الجديدة ...
...عدتُ بعدها الى البيت وشكرتُ والدي وطبعت قبلة على جبينه وقلت له:
بابا .
!...صديقتي  اليوم كانت جميلة جداً


قال أبي لحظتها :
مَن لآ يملِك السعآدَة في نفسِه فلنْ يجدهآ في الخآرجْ ،
لِذآ تعلّمي كيفَ تكونُي سعيدةً  حتى لَو كنت وحِيدة .
فإذآ أسعدتِ نفسَكِ إستطعتِ إسعآدَ مَن هُم حولِك ِ
فَ التغيير يبدأ مِن الدآخِل..

هنيئاً لكِ يابسمتي ..
..._ وبارك الله فيك  وحفظكِ من كل سوء
.....
...دارت الأيام وتوالت السنون ومضى العمر   و لم أفشي سر صديقتي  الرائعة
ووالدها العم صابر الا اليوم ...بعد أثنان وثلاثون عاماً    
 
من الزمن
 
 



 
 
لي عودةٌ معكم أحبتي ..
بأذنه تعالى أن بقينا  وبقيتم
 
 
 
24/ أكتوبر /2012

هناك تعليقان (2):

  1. سيدتي القديرة كم أنت رائعة ...منذ نعومة أظفارك وأنت تنشرين الخير والطيبة لمن حولك ...وتدعمينهم بحنانك وإنسانيتك ...فأنت امرأة مثالية تنحني لوصفها الأقلام قبل الرؤوس ...نسال الله أن يكون لنا نصيبا من الخير وبما استطعنا لكي نسعد من حولنا ...تحياتي وجل تقديري

    ردحذف
  2. كاتبتنا المبدعة العراقية بنت العراق التي توّسم قلمها بعبير العراق الحبيب ..
    أشكر لك حضوركِ المميز دائماً بين أرجاء مدونتي الفقيرة ..
    رسمتِ أحرفكِ بماء الورد !! فأغدقني عطراً سومرياً نبيلاً ..
    لاحرمني بوحك العذب وعزفكِ على أوتار قيثارتكِ الناطقة ..!
    أقف لكِ كما يقفُ حرفي ّمُرحبّاًبمروركِ الأكثر من رائع
    باقات من زهور السوسن أفرشها لتعطر طريق مروركِ المبجل

    ردحذف

مشاركة مميزة

هذيان قلم خمسيني ..!

عبثاً نكتب ..! وخطوط أيدينا  تنزف صبراً .. 24/مارس/2016 باسمة السعيدي *&*& ...