قطرةُ ندى...عُمُرها من عمر...حكايا ألفَ ليلةٍ وليلة...
قطرتي...تتألق شوقاً..وفرحاً...لرحالة عهدٍ..لطالما...أمتاز بسردهِ السندباديّ...
قالوا عنه في مرةٍ من المرات..انه ساحر ٌ يتقن التنقلُ بين رواياته....
بعضنا..بل الغالبيةِ منا...ننزع عن وجداننا ...قناعٌ أّخر نرتديه...لنترك أبهى أثر..عند الاخرين..
...خارج...بوتقتنا...أهلنا.
..ولم أصادف قط..أنساناً....صادق حتى النخاع مع ذاته..ومع الاخرين...كما عرفته هو.....
هل صادفتم يوماً أنسان...حين يمضي..يترك وراءه..
ألف حكاية...ورحلة!!!
شخصك السندبادي..يا رحالتنا الكبير...لم يتلون يوماً..ولم تتغير..سحناتك.لأرضاءِ غرور الأخر...
براءةَ ونقاءِ طفلٍ...عهدناك انت....
ايها المسافر عبرالأزمان...كنت تحط الرحال...بأحاديثك الشيقة..لنجد أنفسنا...منصتين..كما الأطفال لحكايا الجدة...
بطولاتك الشابة في القارة السوداء...مررنا من خلال احرفك لأمتع السرد فيها...
أما مجالستك..كانت تترك بنا رضاً..وفرح..وبسماتٍ صادقة.
.كم أنتَ كبير...
ربما تخونني كل الكلمات...تتقافز بذهني اروع القصص عنك..لكنك..اكبر بكثير مما يحكى...
تعلمنا منذ نعومة..خيالاتنا..أن قصص ألف ليلةٍ وليلة...هي اكبر مجموعة ثرية بأمتع المغامرات...ووصف السرد النفيس...بل هي...تأريخ..لم تسبقها ..ولن تلحق بوهجها الخاص أي...قصص...
الأ أنت...توقفت عندك كثيرا...ووجدتك...ولا يختلف معي بهذا الرأي اثنان...انك..بكبر التأريخ..
.
بعمق الوصف الراقي..على مدى الدهور..ولن تتكرر...أبدا....
مَن..مِنا لم يضع خده على راحة يده..بمتعةِ المستمع!!!
ومَن منا لم يتحير بسعة روحك النقية!!
ومن منا لم ترتسم أبتسامة على ثغره حين تمر ذكراه..أو مجرد نلمح طيف أسمه في حديثٍ عابر..!!!!
أنت كما أنت..لم تنزع يوما زيفاً عن ملامحك الجنوبية الحلوة..
ولم..تتقمص شخصياتٍ وهمية...كنت ببساطةِ الكبار....
(((...محمد شمسي....)))
العزيز الحاضر بنفوسنا...وتطيب به الذكريات الحلوة....
تظل أنت أكبر روايةٍ...نرويها ..لأجيالنا القادمة...
علّهم..يتعلمون منك...
كيف يصبح الأنسان...رحالة..وقصة...لك
حللتم مع قطرة الندى هنا..محملةً...بأرق أنسانية...
مسائكم ورد...
وسن السعدي
23/ يونيو/2013
*&*&*&*&*&
يسرق منا الزمان التواصل مع من عشقتهم الروح فذابت في ثنايا أسمائهم
دموعاً وحزناً ووداع ..!!
أحببناهم وأنصهرنا في بوتقة مشاعرنا لهم ..!! لكننا لم نفيّهم حقهم ماحيينا من الاعوام والسنوات والقرون
الغائب الحاضر ..!!
محمد شمسي ذلك الطوفان من الكلمات و الذي كتب عن طوفان الشمس أروع كتاباته ..!
صاحب الألف ميل بين غابات أفريقيا ..!!
وصحارى نيجيريا ...وادغال القارة السوداء ..
ذاب في عشق الرحلات فكتب في ادب الرحلات..!!
لم نكن نعي مفهوم الرحالة ...!!
ولم نتخيل يوماً من الايام أننا سنلتقي رحالا غير أبن بطوطة وماجلان والسندباد ..!!
فكان سندباد ميسان في أرض نيجيريا ...
لم يصدق الخيال أن ميسان تشارك نايجيريا بمحمد شمسي ..
نعم فقد اتفقت القارة السوداء مع اهوار العمارة بذلك العاشق للرحلات والترحال والغربة والتغرب فنثر أجمل كلماتهِ في لصوص البحر
لم نسمع يوماً بأن للزواحف كوميديا الا من خلال كتابات محمد شمسي الرجل الأسطوري
وهو يتجول في الهند مع السحرة والثعابين ليتقن لغتهم بكل جدارة ويراوغ أجراس الثعبان في القارة الهندية .
لقد كان يتمتع بروح الدعابة والمرح والسلام فكان على حد قول الدكتور نجم عبد الله كاظم انه رائد رواية الفتيان في العراق ..
ايها الحاضر الغائب ..!! ماذا اكتب وماذا اسطر في شخصكَ المبجل ؟؟
لاول مرة أشعر بخذلان قلمي لي وانكساره ..
ضاعت الكلمات وتاهت الاحرف وأنا في حضرة محمد شمسي بقلمكِ الناعي غاليتي ..
نعم لقد قدمتِ نعيكِ ...لكن بطريقة الأديب الرائع محمد شمسي !!
رحمك الله أبا سيف ولم أتوقع يوماً أن يُنجب تأريخ أدب الرحلات رجلاً غيركَ مذ توقف النبض في 26/ أبريل /1996 .
انا لله وانا اليه راجعون ..
باسمة السعيدي
23/يونيو/2013
.......................
انه امامي ببسمته الرائعه الهادئه ..
وسحنته الجنوبيه الجميله وهي تشدني الى تلك ألأيام التي كنا صغارا وكبارا نتحلق من حوله اينما كان لنسمع تلك حكاياه المشوقة دون ملل
..محمد شمسي ..
اول من اهداني كتاب وأنا صغيرة وخط بيده كلمات ألأهداء لي ..
مفتخرة كنت بين زميلاتي بأن لي توقيع كاتب..اديب..
ساحر لا أعلم كان خليطا ساحرا جذابا وبسمه جميلة تشدنا اليه ..
ابا سيف..انت بصمة في تارخ الادب العراقي وساحرنا المحبب لقلوبنا..
موجودا خزينا في ذاكرتنا نحن خاصة والعراقيين عامة ..
لانقول وداعا ابا سيف وانما نحن متواصلون معك كما ألأن
انتصار السعدي
24/يونيو/2013
.....................................
لم تدع عزيزتناsoso للحديث بقيه ..
ولكن لي أضافه قصيره من ذكرى عابره معك وانا انظر لملامحك المرسومه امامي تذكرت تلك الابتسامه على محياك وذلك اللقاء القصير الذي جمعني بك والذي ما زال عالق في ذاكرتي التي لطالما تهمت بالتقصير في تذكر الاشياء ولكن ايها الكبير مثلك لا يتنسى ابدا .. لك مني تحيه بكبر رحلة الالف ميل بين الادغال اذكر عندما قرأت تلك الرواية لم استطع النوم في ذلك اليوم حتى الصباح اكملت رحلتي معك وكنت احط ترحالي واتبع خطاك المسافره حيثما توغلت في تلك البلاد توغلت معك وكنت اضحك عندما اجدك تضحك اوتتذكر شيء تسرده لنا عن تلك القصص والمغامرات الغريبه وكأنك أبيت الا ان تبقى هناك !!!
ان تكون انت وتلك البلاد على مر الزمان لاتفترقان ابدا سلام لروحك الطيبه والى أبتسامتك التي لم يستطع الفراق ان يغيير ملامحها ابدا ......
بقلم
امراءة مستبدة
5/ يوليو/2013
*&*&*&*& http://almadapaper.net/ar/news/4889
محمد شمسي.. رائــد رواية الفتيــان فــي العــــراق
أ د. نجم عبد الله كاظم
في عملي في كتاب
"رواية الفتيان" الذي أنجزته مؤخراً وآمل أن يصدر خلال الأشهر الأولى من
العام 2013، برزت أمامي أسماء كتّاب وجدت أنها لم تأخذ حقها من الاهتمام
والدراسة. فإذا كان معظمهم- ويجب أن نعترف بهذا - قد احتلّ مساحات ضمن
دراساتٍ وكتبٍ عن أدب الأطفال، ولاسيما كتب د. جعفر صادق محمد ود. طاهرة
داخل وآخرين ()، بينما دُرسوا هم وآخرون بوصفهم قاصين وروائيين وشعراء
للكبار()، فإن دراسات خاصة عنهم، بوصفهم كتّابَ أدبِ أطفالٍ وفتيان
تحديداً، لم تُنجز لهم باستثناء القليل من المقالات والدراسات القصيرة، كما
فعلت الشاعرة الدكتور سهام جبار، مثلاً، في دراستها القيمة عن أدب الرحلات
عند محمد شمسي( ).
وتعلقاً بما عُنيت به دراستنا، نعني روايات الفتيان وإلى حد ما قصصهم، وجدنا أن أهم كتّاب الأطفال والفتيان الذين يستحقون دراسات أكاديمية ونقدية تُعنى بكل واحد بهم على حدة، مما لم بتحقق ولو مرة واحدة، بحدود اطلاعنا، هم: محمد شمسي، وعبد الستار ناصر، وعبد الرزاق المطلبي، وميسلون هادي، إضافة إلى خالد رحيم، وطالب ناهي الخفاجي، ومحمد شاكر السبع، وآخرين. وانطلاقاً من الرغبة في التنبيه إلى هذا الأمر والدعوة إلى الاهتمام بأدباء الأطفال والفتيان وفي تأشير ما نرى أننا بحاجة إليه في هذا الإطار، يأتي مقالنا هذا عن أحد أبرز هؤلاء نعني الأديب الفذ الراحل محمد شمسي، خصوصاً وأن ذكرى ميلاده السبعينية قادمة العام القادم. وقبل الدخول في الفقرات التي نتناول فيها هذا الكاتب الظاهرة، لنلقي نظرة على المرحلة والبيئة اللتين برز فيهما.
( 2 )
نعتقد أن العصر الذهبي لأدب الأطفال في العراق يمتد من منتصف السبعينيات - مع وجود التمهيدات المهمة خلال السنوات السابقة على ذلك- إلى بداية التسعينيات – ولكن مرة أخرى مع امتداد جزئي له في السنوات القليلة التالية على ذلك. وقد كان الدعم الذي أولته الدولة لدار ثقافة الأطفال خلال النصف الأول من ذلك العصر الذهبي- بين منتصف السبعينيات ومنتصف الثمانينيات- أحد العوامل الأساسية التي حققت بها الدار وأدب الأطفال عموماً الإنجازات الكبيرة. وقد تمثل ذلك خصوصاً في الكتب، وضمنها روايات الأطفال والفتيان، التي ربما لم يشهد العراق من قبل، ولا من بعد، ولا غالبية البلدان العربية، مثيلاً لها. وإذا لم يكن هذا غريباً بل طبيعياً، فإن المفارقة تأتي حين يكون انحسار هذا الدعم، ولو جزئياً، في النصف الثاني من المرحلة وما تلاها- من منتصف الثمانينيات إلى سقوط بغداد عام 2003- وبسبب الحرب العراقية الإسارانية والحصار القاسي الذي فُرض على العراق، عاملاً في نشاط آخر يصب في مسيرة أدب الأطفال والفتيان عموماً والقصصي خصوصاً. فقد قللت الحرب حبر المطابع كما ينشّفه الحصار القاسي كما نشّف دماء العراقيين، وجعل الورق، مثلاً، أحد المواد التي يُمنع إخراجها من العراق، إلى جانب الذهب والقطع الأثرية والأعمال الفنية والغذاء. وكان هذا عاملاً في نشوء ظاهرة جديدة، أو لنكن دقيقين فنقول في اتساع ظاهرة كانت موجودة أصلاً، على تواضعها، دعمت هذا الأدب ولاسيما القصصي والروائي. تتمثل هذه الظاهرة في قيام دور نشر أهلية عديدة، بل دور نشر جديدة أيضاً شبه متخصصة بهذا النشر، وغالباً من أجل تحقيق الربح، بمد السوق الفقير والمتلهّف لمثل هكذا مطبوعات. ومع أن العراق لم يكن شهد مثل هذه الظاهرة من قبل، فإن بداياتها الحقيقية، في الواقع، كانت بداية الثمانينيات وربما قبل ذلك بقليل. ولعل إحدى أهم هذه الدور، دار القادسية للطباعة، التي يمكن للقارئ أن يلحظ دورها في قائمة كتب الأطفال والفتيان المودعة في دار الكتب ببغداد، لاسيما من خلال إشراف الأديب محمد شمسي على بعض سلاسلها القصصية والروائية. فعلى تواضع المنشور من حيث نوعية الطباعة، إن لم نقل رداءته في بعض الأحيان، ومرة أخرى بسبب ظروف الحرب والحصار والوضع الاقتصادي للبلد، فإن هذه الدار والأديب محمد شمسي قدّما الكثير إلى سوق هذه الكتابات. والواقع أننا نكاد نسمي هذا النشاط مشروعَ محمد شمسي في الكتابة والتأليف والنشر له ولغيره. وتعلقاً بهذا المشروع، نقول إذا كانت الغاية التجارية واضحة عليه من شكل النشر والطباعة والإخراج الفني وتواضع المواد المستخدمة، فإن الغايات الأخرى النبيلة والذاتية موجودة بالتأكيد، خصوصاً وأن هذا الكاتب الظاهرة كان كاتباً ثراً في مجال ثقافة الأطفال، وتحديداً في القصة والرواية وأدب المغامرات والرحلات، الأمر الذي أفرز عطاءً لا يُستهان به ضمن الكل الذي يسود فيه التجاري والهابط. فمن هو محمد شمسي هذا؟
( 3 )
لأن الحصول على سيرة كاملة وموثوق فيها لهذا الكاتب يحتاج إلى جهد لا نستطيع توفيره حالياً، لأسباب خاص، فإننا نكتفي هنا بالمتوفر بين أيدينا، عسى أن يقوم بهذه المهمة من يتصدى لدراسة هذا الأديب. وبداية أن اسمه الحقيقي هو محمد حسين المطلبي، ولا نعرف، في الواقع، لماذا دعا نفسه بمحمد شمسي ليشيع هذا الاسم ويختفي أو يكاد يختفي اسمه الحقيقي؟. ولد في مدينة العمارة جنوب العراق عام 1943. عمل في الصحافة كاتباً وصحفياً ومحرراً، وفي إدارة بعض الدوريات والصفحات الثقافية والمؤسسات الإعلامية. مارس الكتابة الصحفية والنقدية والقصصية والروائية وأدب الرحلات، ونظم الشعر، وكتب في ثقافة الأطفال وأدبهم، وظهرت نتاجاته في دوريات وكتب. من أهم مؤلفاته:
• في الشعر: ديوان "طوفان الشمس في الكلمات"- 1968 - وديوان "دم الشجر الساحلي"- 1976.
• في الدراسة والنقد: "سارق النار.. رحلة في حياة الشاعر عبد الوهاب البياتي" - 1985.
• في القصة والرواية: الرواية القصيرة "كوميديا الزواحف" - 1979.
• في أدب الرحلات: "ألف ميل بين الغابات" - 1973 - و"من غرائب الأسفار" – 1984 - و"ذكريات المدن"- 1984.
• في أدب الأطفال: "القصر المسحور" – 1993 - و"العصفور الذهبي" - و"الكهف والوحش" - 1993.
• في رواية الفتيان: وهو عندنا أحد أهم حقلين أو ربما جاز التعامل معها على أنها ثلاثة حقول كتب فيهما شمسي، وهي بظننا تكوّن هويته الأدبية. فإلى جانب (أدب الرحلات)، يبرز (أدب الأطفال) الذي قد نستطيع أن نفرد منه حقلاً شبه مستقل هو (رواية الفتيان). بل أزعم أن روايات الفتيان تكاد وحدها تكوّن منه علَماً فريداً، ورائداً لها في العراق.
توفي الأديب الراحل ببغداد عام 1996.
وإذا ما كان للأديب في ما سبق ما يميزه، لا سيما في الكتابة للأطفال التي حصل فيها على جائزة أفضل كتاب عربي للأطفال في مسابقة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1981، وفي أدب الرحلات، فإنه في كتابة رواية الفتيان يكاد يكون ظاهرة، على الأقل في العراق. فهو في الميدان الأول واحد من عشرات الكتّاب المتميزين الذين أفرزتْهم غالباً منشورات (دار ثقافة الأطفال)، وفي الميدان الثاني أحد بضعة كتّاب رحالة عراقيين لا نستطيع أن نزعم أن شمسي تصدرهم، وربما فعل ذلك. أما التخصص الذي أظهره في الكتابة في مجال رواية الفتيان فيجعل منه، عندنا، رائداً بل ظاهرة، كما قلنا، الأمر الذي نجد من المهم التوقف عندها لتكون محور مقالنا.
وتعلقاً بما عُنيت به دراستنا، نعني روايات الفتيان وإلى حد ما قصصهم، وجدنا أن أهم كتّاب الأطفال والفتيان الذين يستحقون دراسات أكاديمية ونقدية تُعنى بكل واحد بهم على حدة، مما لم بتحقق ولو مرة واحدة، بحدود اطلاعنا، هم: محمد شمسي، وعبد الستار ناصر، وعبد الرزاق المطلبي، وميسلون هادي، إضافة إلى خالد رحيم، وطالب ناهي الخفاجي، ومحمد شاكر السبع، وآخرين. وانطلاقاً من الرغبة في التنبيه إلى هذا الأمر والدعوة إلى الاهتمام بأدباء الأطفال والفتيان وفي تأشير ما نرى أننا بحاجة إليه في هذا الإطار، يأتي مقالنا هذا عن أحد أبرز هؤلاء نعني الأديب الفذ الراحل محمد شمسي، خصوصاً وأن ذكرى ميلاده السبعينية قادمة العام القادم. وقبل الدخول في الفقرات التي نتناول فيها هذا الكاتب الظاهرة، لنلقي نظرة على المرحلة والبيئة اللتين برز فيهما.
( 2 )
نعتقد أن العصر الذهبي لأدب الأطفال في العراق يمتد من منتصف السبعينيات - مع وجود التمهيدات المهمة خلال السنوات السابقة على ذلك- إلى بداية التسعينيات – ولكن مرة أخرى مع امتداد جزئي له في السنوات القليلة التالية على ذلك. وقد كان الدعم الذي أولته الدولة لدار ثقافة الأطفال خلال النصف الأول من ذلك العصر الذهبي- بين منتصف السبعينيات ومنتصف الثمانينيات- أحد العوامل الأساسية التي حققت بها الدار وأدب الأطفال عموماً الإنجازات الكبيرة. وقد تمثل ذلك خصوصاً في الكتب، وضمنها روايات الأطفال والفتيان، التي ربما لم يشهد العراق من قبل، ولا من بعد، ولا غالبية البلدان العربية، مثيلاً لها. وإذا لم يكن هذا غريباً بل طبيعياً، فإن المفارقة تأتي حين يكون انحسار هذا الدعم، ولو جزئياً، في النصف الثاني من المرحلة وما تلاها- من منتصف الثمانينيات إلى سقوط بغداد عام 2003- وبسبب الحرب العراقية الإسارانية والحصار القاسي الذي فُرض على العراق، عاملاً في نشاط آخر يصب في مسيرة أدب الأطفال والفتيان عموماً والقصصي خصوصاً. فقد قللت الحرب حبر المطابع كما ينشّفه الحصار القاسي كما نشّف دماء العراقيين، وجعل الورق، مثلاً، أحد المواد التي يُمنع إخراجها من العراق، إلى جانب الذهب والقطع الأثرية والأعمال الفنية والغذاء. وكان هذا عاملاً في نشوء ظاهرة جديدة، أو لنكن دقيقين فنقول في اتساع ظاهرة كانت موجودة أصلاً، على تواضعها، دعمت هذا الأدب ولاسيما القصصي والروائي. تتمثل هذه الظاهرة في قيام دور نشر أهلية عديدة، بل دور نشر جديدة أيضاً شبه متخصصة بهذا النشر، وغالباً من أجل تحقيق الربح، بمد السوق الفقير والمتلهّف لمثل هكذا مطبوعات. ومع أن العراق لم يكن شهد مثل هذه الظاهرة من قبل، فإن بداياتها الحقيقية، في الواقع، كانت بداية الثمانينيات وربما قبل ذلك بقليل. ولعل إحدى أهم هذه الدور، دار القادسية للطباعة، التي يمكن للقارئ أن يلحظ دورها في قائمة كتب الأطفال والفتيان المودعة في دار الكتب ببغداد، لاسيما من خلال إشراف الأديب محمد شمسي على بعض سلاسلها القصصية والروائية. فعلى تواضع المنشور من حيث نوعية الطباعة، إن لم نقل رداءته في بعض الأحيان، ومرة أخرى بسبب ظروف الحرب والحصار والوضع الاقتصادي للبلد، فإن هذه الدار والأديب محمد شمسي قدّما الكثير إلى سوق هذه الكتابات. والواقع أننا نكاد نسمي هذا النشاط مشروعَ محمد شمسي في الكتابة والتأليف والنشر له ولغيره. وتعلقاً بهذا المشروع، نقول إذا كانت الغاية التجارية واضحة عليه من شكل النشر والطباعة والإخراج الفني وتواضع المواد المستخدمة، فإن الغايات الأخرى النبيلة والذاتية موجودة بالتأكيد، خصوصاً وأن هذا الكاتب الظاهرة كان كاتباً ثراً في مجال ثقافة الأطفال، وتحديداً في القصة والرواية وأدب المغامرات والرحلات، الأمر الذي أفرز عطاءً لا يُستهان به ضمن الكل الذي يسود فيه التجاري والهابط. فمن هو محمد شمسي هذا؟
( 3 )
لأن الحصول على سيرة كاملة وموثوق فيها لهذا الكاتب يحتاج إلى جهد لا نستطيع توفيره حالياً، لأسباب خاص، فإننا نكتفي هنا بالمتوفر بين أيدينا، عسى أن يقوم بهذه المهمة من يتصدى لدراسة هذا الأديب. وبداية أن اسمه الحقيقي هو محمد حسين المطلبي، ولا نعرف، في الواقع، لماذا دعا نفسه بمحمد شمسي ليشيع هذا الاسم ويختفي أو يكاد يختفي اسمه الحقيقي؟. ولد في مدينة العمارة جنوب العراق عام 1943. عمل في الصحافة كاتباً وصحفياً ومحرراً، وفي إدارة بعض الدوريات والصفحات الثقافية والمؤسسات الإعلامية. مارس الكتابة الصحفية والنقدية والقصصية والروائية وأدب الرحلات، ونظم الشعر، وكتب في ثقافة الأطفال وأدبهم، وظهرت نتاجاته في دوريات وكتب. من أهم مؤلفاته:
• في الشعر: ديوان "طوفان الشمس في الكلمات"- 1968 - وديوان "دم الشجر الساحلي"- 1976.
• في الدراسة والنقد: "سارق النار.. رحلة في حياة الشاعر عبد الوهاب البياتي" - 1985.
• في القصة والرواية: الرواية القصيرة "كوميديا الزواحف" - 1979.
• في أدب الرحلات: "ألف ميل بين الغابات" - 1973 - و"من غرائب الأسفار" – 1984 - و"ذكريات المدن"- 1984.
• في أدب الأطفال: "القصر المسحور" – 1993 - و"العصفور الذهبي" - و"الكهف والوحش" - 1993.
• في رواية الفتيان: وهو عندنا أحد أهم حقلين أو ربما جاز التعامل معها على أنها ثلاثة حقول كتب فيهما شمسي، وهي بظننا تكوّن هويته الأدبية. فإلى جانب (أدب الرحلات)، يبرز (أدب الأطفال) الذي قد نستطيع أن نفرد منه حقلاً شبه مستقل هو (رواية الفتيان). بل أزعم أن روايات الفتيان تكاد وحدها تكوّن منه علَماً فريداً، ورائداً لها في العراق.
توفي الأديب الراحل ببغداد عام 1996.
وإذا ما كان للأديب في ما سبق ما يميزه، لا سيما في الكتابة للأطفال التي حصل فيها على جائزة أفضل كتاب عربي للأطفال في مسابقة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1981، وفي أدب الرحلات، فإنه في كتابة رواية الفتيان يكاد يكون ظاهرة، على الأقل في العراق. فهو في الميدان الأول واحد من عشرات الكتّاب المتميزين الذين أفرزتْهم غالباً منشورات (دار ثقافة الأطفال)، وفي الميدان الثاني أحد بضعة كتّاب رحالة عراقيين لا نستطيع أن نزعم أن شمسي تصدرهم، وربما فعل ذلك. أما التخصص الذي أظهره في الكتابة في مجال رواية الفتيان فيجعل منه، عندنا، رائداً بل ظاهرة، كما قلنا، الأمر الذي نجد من المهم التوقف عندها لتكون محور مقالنا.
..........................
http://alnoor.se/article.asp?id=38637
من أدب الرحلة العراقي الحديث / رحلة محمد شمسي إلى (أرض ساخنة)*
18:01:14يوصف أدب الرحلة بأنه ((ملتقى لتعدد الخطابات))(1)،
وفي هذا تقع إشكاليته النوعية من حيث تحقق أدبيته من مجموعة خطابات بعضها
أدبي وبعضها خارج إطار الأدب، بحكم ارتباطه بالواقع، ومن ثم فللتاريخ
وللجغرافية وللسيرة وللمغامرات كلها لها دخل في تشكيل نسيجه، إلى جانب
الشعر والقصة والأمثال والمقتبسات النصية المختلفة، فإن ذهبنا إلى الأخذ
بسمة النقاء الممكن لجنس من الأجناس فبالتأكيد لا يعدّ أدب الرحلة من
الأجناس النقية(2).
هذه مسألة مهمة تحكم نصوص
أدب الرحلة على تفاوت الائتلاف في تعددية الخطابات ومداه. والمسألة الثانية
التي يقع عليها الاهتمام في أخذنا لنص أدب رحلة عراقي هو (أرض ساخنة)
لمحمد شمسي وقوع النص مع تعددية خطاباته تحت مهيمنة موضوعية موجَّهة من
المؤلف، خضع لها نصه كاملاً منذ مقدمته التي استهلّها بإشاعة فضاء أسطوري
تسنده مفردات الطبيعة وتدلّ عليه لتعزيز وجود الكائن البدائي الذي يريده
لنفسه، والذي ينسجم بوجوده في أفريقيا مع مكوناتها البدائية، وحرارة جوّها،
وطبيعة مهيمنته الموضوعية، التي تمثلت بالهدف الحسّي، إعلاء شأن الرغبة
بحيث ارتبطت الرحلة إلى أفريقيا عامةً بها. هذا الجوع البدائي الأسطوري هو
الذي أوجد نص رحلة شمسي، ومن الموجّهات إليه العنوان، الذي دلّ _ على نحو
الحقيقة_ على أفريقيا_ وعلى نحو المجاز_ على المرأة (وبعد سنين لا تعدّ،
كثيرة بعدد طيور السماء وسمك البحار وذرات الرمل ظلت الحياة في أفريقيا كما
كانت قبل ملايين السنين حارة، طائشة، متدفقة، مليئة، وظلت الصيغ الإنسانية
الأولى تطفح على الأرض رامية حذرها القديم كلما وجدت قشرة لينة،
رقيقة)(الرحلة ص13).
إلا أن المجاز لم يكن إلا في
العنوان، وقد جاءت التوظيفات النصية والاستثمارات عامةً صريحة في مدلولها،
أو إنها تعزز سياق الرحلة الكلي. فإلى جانب ذلك هناك خصوصية للمكان، إلا
إنها مسخّرة للمعنى المهيمن، فالمكان وسيلة في تفصيلات كثيرة، لا غاية، من
أجل تحقّق الحدث ولتجميل مسعى السارد_ البطل.
إذا كان من
أدب الرحلة العربي ما كتب بدوافع تنويرية وتربوية فجعل اللغة وسيلة لا غاية
بسبب من الجمع والتأليف والترجمة لنقل العلوم والمعارف المتنوعة(3)، فرحلة محمد شمسي كتبت من أجل المتعة وهي تفترق عمّا سواها من كتابات الرحلة التي تسعى إلى التعرّف(4)،
فالمعرفة متحققة في (أرض ساخنة) والغاية في ما وراء ذلك، أي ماذا بعد
المعرفة ؟ أو بم تستثمر هذه المعرفة ؟ كذلك خرجت رحلة شمسي عن أن تسخّر في
إطار المقارنة بين عالمين (شرق وغرب)، ومشاكل الوقوع تحت وعي الآخر، أو
النظر إلى انعكاسات موشوره، أو إقامة حوار حضارات أو بيئات متنازعة فبالرغم
من كل الإشارات الملتقطة من حكايات المؤلف عن الإنسان المحروم أو المستغَل
إلا أن الرحلة خالية من الدافع المسيّس ومتحررة من سلطة المستعمِر
والمستعمَر. وللتوضيح يلزمنا القول أن (أرض ساخنة) المكتوبة عام 1973 كما
في الإشارة المضمّنة بالكتاب، والصادرة عام 1978، هي تتمة للرحلة المبتدأة
في (ألف ميل بين الغابات) للمؤلف نفسه والصادرة في طبعتين عامي 1973 و1976.
وتكشف بنية الرحلة عن إيقاعين أساسيين يحكمان السياق حيث تمثل (ألف ميل
بين الغابات) بداية الرحلة وانفتاحها على البيئة الجديدة في أفريقيا، وتمثل
(أرض ساخنة) رحلة العودة التي هي رحلة انفلات وإدبار عن تفصيلات المكان
فكأن المؤلف يسعى بقوة إلى الانصراف عما انفتح إليه في رحلة البداية، رحلة
الإقبال إلى الخارج (أفريقيا).
ألف ميل بين الغابات
أفريقيـا الـذات
أرض ساخنة
والادبار
في (أرض ساخنة) يكتمل مع انتهاء الرحلة في الوصول إلى الوطن. ولنلاحظ أن
أفريقيا بوصفها المكان المناسب ليلوَّن برمزية الرغبة البدائية الأولى كانت
قد تشبّعت بهذا المعنى الرمزي عند بداية ابتعاد الرحالة عنها لا مع إقباله
عليها. وهذا يعني أن ذروة الرحلة التي أرادها شمسي كانت مع بداية
انتهائها، وأن الرحالة غير المحايد بالفعل أعطى صورة مكان ذاتية أكثر مما
هي صورة موضوعية، وبذلك انتأى عن أن يكون جغرافياً مشغولاً بالمظهر الخارجي
للمكان إلى أقصى حد ممكن (إذ بعد ذلك ينفلت منه المعيار النوعي لأدب
الرحلة)، ((فالرحالة يظل مختلفاً عن الجغرافي دون إحداث قطيعة نهائية في
كونه يكتب بالمكان في حين يكتب الجغرافي عن المكان (...) إنها جغرافية
جديدة يزاوج فيها الرحالة بين تاريخ المكان أو تموقعه الجغرافي في العالم
وبين تاريخه الشخصي))(5).
مع اقتران أدب
الرحلة بالسيرة وأنماط التقرير والاستطلاع والمراسلة الصحفية واشتمالها على
خطابات الشعر والنثر من قصص ويوميات وتاريخ وجغرافية ومغامرات(6)،
يكون توصيف (أرض ساخنة) رصداً لخصائص هذه الأنماط الداخلة في نسيجها.
ويتقدم هذا رصد ثنائية السارد (الرحّالة) فهو بطل من جهة قيامه بالفعل في
المساحات المستكشفة، وهو راوٍ سارد للأحداث، غير محايد بالضرورة، إذ يخطط
للمغامرة من جهة الفعل بالرصد والاكتشاف والتخطيط والسعي، وفي الوقت نفسه
يصف ويسرد وينتقي ما يريده محفزاً المتلقي للتوقع والانتظار. تجتمع إذن
خاصيتا العرض المتضمن المراقبة، والموقف الشخصي المتبنّى تجاه المحكي، مع
الوظائف الثانوية المنبثقة من هاتين الوظيفتين الرئيستين(7)، في شخص محمد شمسي المؤلف (الكاتب) والسارد، فإذا كان الكاتب معطىً تاريخياً فإن السارد معطى نصّي(8)،
واجتمعا في (أرض ساخنة) حيث الوظيفة مزدوجة في الواقع وفي صياغته، وإلى
جانب ضمير المتكلم الذي يصدر به السارد سرده يتردد اسمه (محمد) خلال نص
الرحلة (ص104 مثلاً).
وتتخلل نص السارد نصوص قليلة
لشخصيات في الرحلة تصاغ بطريقته نفسها، إلى جانب التضمينات التي لوّنتْ
سياق الأحداث لدعم الموضوعات الأساسية والثانوية ومن ذلك يطالعنا تلخيص
للحكايات، واستذكار ومونولوج داخلي، وأسطرة للمكان وللشخصية، وسرود
استطلاعية وكشوف، وتضمينات أخرى أقل استعمالاً.. وكل هذه الاستعمالات
محسوبة للسارد، حتى الحوار يقع ضمن إدارته، وفي هذا ما يرسم صورة الرحالة
كلية في الرحلة، حتى تكاد تحتويها.
تلخيص الحكايات
تزاوج
الواقع والخيال في عدد كبير من كتابات أدب الرحلة ليفسح عن تراث هائل من
قصص الرحلة وأساطيرها فكان ذلك طابعاً لأدب رحلة عربي قديم أمثلته عديدة(9)
، وربما يكون لهذا أثره في اهتمام شمسي بالحكايات الواقعي منها والمتخيل
إذ انتشرت في (أرض ساخنة) على أنحاء متفاوتة، إلا أن ما يبدو مستقلاً منها
يبلغ عدده عشر حكايات متوزعة كالآتي:
1. حكاية الخلق الأول حيث يخفي الإنسان الأول ممارسته عن خالقه كي لا يحاسبه (ص11_12).
2. حكاية الرجل المتوحش الذي يشعر برائحة المرأة (ص13).
3.
حكاية الأمير الذي يطارد غزالاً لوحده فيجوع ويعطش ويجد عجوزاً تطعمه
وتسقيه ثم يعود إلى مملكته فلا يجد ألذ من طعام تلك العجوز وشرابها (ص21).
4. وصول ماجلان إلى جزيرة نائية فيها تذكير بالرجل العملاق الذي مرت عليه آلاف السنين حتى أصبح أليفاً مدجنّاً (ص35_36).
5. حكاية يسردها صديق البطل فيها تهويل لقبيلة أفريقية هدفها إغواء السائحتين الأمريكيتين (ص45).
6. حكاية يرويها الحارس إدريس عن الشيخ محروس فيها إثارة للرعب والحاجة إلى الاحتماء (ص62_64).
7. يردف البطل حكاية الحارس بحكاية فيها إثارة خوف أيضاً وكابوسية ولها الهدف نفسه (ص64_66).
8. حكاية عن عامل نوبي زمن خوفو الكبير قبل خمسة آلاف سنة (ص80_81).
9. قصة رزيق الفلاح الساذج (ص82_84).
10. حكاية يختلقها البطل أمام السواح الأجانب عن رحلة صيد في الصحراء العربية (ص124_128).
تحقق
الحكايات غايات دلالية متنوعة إلا إنها منطوية في الدلالة العامة الكلية:
إشاعة طقسية مروّجة عبر الأزمنة عن الكائن البدائي المتوحش في
الحكايات(1_2_4)، ولا يغيب إن رسم هذا المواصفات للكائن محسوب في صالح
البطل_ السارد، إذ إنه يدعو لنفسه عبرها (كانت بونيتا تقول حينما نكون
وحيدين: إنك لا تختلف عن رجال الكهوف بشيء، ذات الوجه وذات المخالب)(الرحلة
ص14)، وإلى جانب هذا التصوير للكائن نجد استثماراً من التراث العربي
والأفريقي والعالمي ومن نقاط التقاء لأزمنة بعيدة في محور الكائن المؤسطر
في حكايات(3_8_9)، ولهذا هدفه من إغناء لمادة الرحلة ومضيها في اتجاهات
متنوعة، ومن جهة التلقي أفادت الحكايات كوسيلة لجمع المتلقين تحت حالة
إدهاش متوقعة من السارد كما في حكاية(10)، وفي حكاية(5) بإثارة فضول
السائحتين الأمريكيتين لإغوائهما، وفي الحكايتين(6و7) ببثّ الرعب فيهما
لتطلبا الاحتماء والأمن من السارد والركون إليه.
من
الناحية البنائية أدّت الحكايات وظائف ملحوظة، فكثيراً ما حققت عامل ربط
مفصلي بين فقرات نص الرحلة إلى جانب أنها أحياناً تمثل وقفة زمنية في سياق
السرد في الرحلة، ويكون زمن سرد بعض الحكايات عبارة عن توقف تام لحركة
السرد في الرحلة، وهناك نوع من الحذف حيث يسكت السارد عن تفصيلات لا يرويها
للقارئ(10)، وتحل محلّ ذلك الحكاية.
إن
لحكايات شمسي في سياق الرحلة وجوداً حيوياً ما كان للسارد أن يستغني عنه
لتحقيق مبتغاه من الموضوع المهيمن، فهناك وظائف جذب وتشويق واستدراج
للمسرود له، كذلك إشاعة فضاء طقسي عام يسمح بتمرير الدعوة إلى البدائية في
شكلها الإيروتيكي، ورسم صورة كائن بدائي في حالة تهيؤ لغزو ورمي شباك لصيد،
أو إشاعة رعب تسمح بتصور فاعلية ذكورية في سرد من أجل اللذة كأنه يأتي
مضاداً لسرد أنثوي مثلته في التراث شهرزاد في سردها الدفاعي بإقامة نوع من
الكبح لجماح شهريار في تسلطه على النساء وإعدامهن في سبيل لذته. سرد شهرزاد
يعمل في إطار دفع ومقاومة وكفّ أو منع، في حين يعمل سرد شمسي في إطار
مضادّ هجوم واستعداء وشدّ وغلبة.
الاستذكار والمونولوج الداخلي
تكثر
العودة في نص الرحلة إلى مواطن الطفولة لخلق جسور تصل الحاضر الموصوف
ببدائيته زمن براءة الإنسان، بالطفولة زمن براءة الشخصية. وهكذا جعلت
لشحنات الاستذكار طاقة حثّ للنص للإيغال في عمق مدلوله. وقد اتخذ الاستذكار
أشكالاً متعددة منها ما يتعدّى مجال طفولة البطل نفسه إلى حنين لما في
التراث العربي، من ذلك تمثّله بحرب البسوس على مستوى شخصي وبتداعٍ داخلي:
(إن حرب البسوس أحرقت صحراء العرب أربعين عاماً، الرجال يطاردون الموت مثل
قطاع الطرق لقد علّمهم قيافة الأثر وأنا ابنهم أعرف أقصر الطرق إلى الموت،
أقصر الطرق إلى الإخفاق. وأنا بعد كل هذه الهموم المريرة وكل هذه الشقوق
والخدوش في جسدي، سفينة عاطبة عجوز تريد أن تستريح أن تنعم بلذة الانهيار
على شاطئ)(الرحلة ص22) هذا التماهي مع التراث زوّد الشخصية بطاقة دلالية
كبيرة، وفي التأمل بالشاهد نجد هذه الصلة العميقة للبطل بالموت، بمعنى
قيافة أثر الموت بالجسد وبإفنائه في اللذة وفي البحث عنها. لنقرأ في مكان
آخر وصفه للوجوه الأربعة للشخوص_ وهو منهم_ في السيارة، ووصفه لوجهه (إن
وجهي عشبة صغيرة متهورة، سريعة الجري نحو الموت وإن الأرض على امتدادها
ذراعان ناعمتان تتلقى أجسادنا المتعبة)(الرحلة ص47) وإذ لا تخفى دلالة
تشبيه ذراعي الأرض وتلقيها الأجساد، يستمر التداعي بصورة حية عن حيوان
تنهشه النسور (كان هذا الحيوان يعيش شوق الحياة وحرارتها فيأكل ويتناسل
ويخاف ويهرب ويتفيأ ظل الأشجار، ثم فجأة ختم كل ذلك بهذا المشهد المرير
الدامي)(الرحلة ص47) وبهذا الإيقاع النفسي يندسّ في أحاديث الآخرين بعد أن
ترك المونولوج الداخلي المتدفق آثاره على وجه الرحلة واسقاطاته على
مشاهداته فيها.
من ملامح الاستذكار نلمس نوعاً من الحنين
إلى الطفولة في عادات الصغار المتشابهة في كل مكان (تنظر الرحلة ص72)، وفي
السرد بصورة اعترافية (تنظر ص90)، واطراد الذكريات مخترقة حواجز الزمان
والمكان فتأتي على لسان عاشق من العصر الأموي (تنظر ص91). إن لهذه
الاستذكارات قيمة تأكيد على الإنسان الخارق بفراسته وبصدق مجسّاته إزاء
الوجود، إنها دليل إنسان مفقود تقوم رحلة شمسي في البحث عنه وعن حلم وجوده.
أسطرة المكان والشخصية
لا
تستدعي أفريقيا في مجال التداول العام من محمد شمسي جهداً كبيراً لإضفاء
هالة أسطورية عليها خاصة سنوات السبعينيات الحافلة بحركات التحرر
والاستقلال. إنما تنشأ أسطورة المكان في نص محمد شمسي من خلال مغامرته
الخاصة، أي أفريقيا التي في داخل (أرض ساخنة) لا أفريقيا القارة المعمّدة
بالدم. وإشاعة الفضاء الأسطوري لأفريقيا ذات الدلالة الشمسية بدأت منذ أول
صفحات الرحلة، ففي البدء كانت اللذة حيث الرجل البدائي المتوحش، كما هي
أفريقيا، وهكذا تعلى (مكانة) أسطورية لا مكان فحسب في صياغات لغوية شاعرية
وانثيال نفسي حميم. تبدأ بتدبيج تقاليد السهر في المدينة عبر مجموع يمثله
بالخمر والغناء والنكات الرديئة، في سرد هذه الصورة يتردد ضمير المتكلمين
لا المتكلم (نحن حفنة من الرجال لا تسلينا الأحاديث ولا تغسل همومنا
المناقشات.. أعمار مختلفة وكما يتنقل الرعاة بإبلهم في الصحراء كنا نحمل
أجسادنا المرهقة ونتتبع خطوات العشب والماء، ماؤنا الخمر وعشبنا نساء
كلابار وايلورين.. ومدينة ((كانو)) ليست صحراء وحاناتها ليست آباراً تعدو
عليها الرمال. هذه ليالينا... رجال من جميع القارات يأتلفون عند اقتسام
الغنائم...) (الرحلة ص15) ويمتد هذا الانتماء حتى ينفصل عند قدوم السائحتين
الأمريكيتين حيث يرجع المتكلم إلى نفسه ليستأثر بالغنيمة وحده ويتنصل عن
المجموع. إن هذا الاستئثار هو الذي أدّى بالرحلة إلى أن تكتمل في فرار
(إدبار) دائم وصولاً إلى الوطن. وتتحول المكانة الأسطورية من المكان الذي
مثله المجموع إلى المكان الذي مثله البطل صاحب السرد. وفي مجمل الرحلة
تردنا صور هذا البطل مزودة بتشبيهات ورموز من حكايات واستذكار للماضي الخاص
والعام مما عرضنا له. فالأسطورية لم تشمل الشخوص كلهم، وإن مرّت برفق على
بعض هؤلاء الشخوص (مثل صديق البطل الكهل الذي فرّ مع ليا إحدى السائحتين
إلى أصقاع مجهولة من أفريقيا مستغرقاً في رحلته_ حبه) إلا أن تمثل الأسطورة
كان دواماً لشخص بعينه له امتدادات شخصية وعامة. أما الشخوص الآخرون
فثانويون يدورون في فلك البطل ومساعيه. أما العوامل المناوئة فغُيّبتْ عن
السرد لتظل أنا المتكلم حاضرة حتى النهاية مع صفات معمقة لها منها ما يدخل
في إظهار قدرات خاصة من عرافة وقيافة وخداع في الحكي يذكّر أحياناً بشخصية
البطل المخادع في المقامات العربية القديمة.
سرود استطلاعية وكشوف
تحتل
هذه السرود أهمية في إرساء الخصيصة النوعية للرحلة فلولاها لامتنع علينا
إطلاق أدب رحلة على (أرض ساخنة)، وتتوزع هذه السرود على قلّتها في مساحة
النص، وتتشابك مع غيرها من استعمالات. وإذا شئنا حصرها في كتاب الرحلة
المستغرق (135 صفحة) لوجدنا أنها لا تزيد عن عشرين صفحة، وبالتأكيد هذا قدر
قليل مما يدخل في الموضوع المباشر الذي يميز الرحلة عن غيرها من الأجناس،
على أن سياق السرد كله لا يخرج عن مناخ أفريقيا، والشخوص موجودون هنا
لأجلها، مع الوصف المتناثر لبعض التفصيلات والأمور الجانبية للحياة هناك.
ولقد جنّد المؤلف قدراته في ملء الفراغ الحاصل بالتنويعات السردية التي
تفنّن في زجّها مع لغته الواصفة بشعرية وبتأمل ممتلئ.
تضمينات أخرى
يستفاد
عادةً من الشعر في كتب الرحلة لخلق ((لحظات التوازن بين ضغط العالم
الواقعي على النثر، وبين ضغط الجانب الوجداني الذي يسمح بمقاربة المكان من
زاوية الإحساس والعاطفة))(11) إلا أن تضمين الشعر في (أرض
ساخنة) جاء موظفاً للموضوع المهيمن نفسه، فترددت أبيات قيس بن الملوح
مستدرجة أجواء العشق ومؤججة له. فلم تخفف الأبيات الشعرية إذن من ضغط
العالم الواقعي على النثر، بل العكس إننا لم نلمس أثراً لهذا الضغط على
النثر، بل أعطي للنثر فاعلية شعرية على طول سياق النص، فجاءت الرحلة مع
واقعيتها محملة بمكنونات العاطفة والخيال في سرد يستثمر التشبيهات،
والمجازات، والرموز للذهاب عميقاً في ضخّ دلالته.
.................................
بيان الصفدي ..
محمد شمسي الذي أغلق عينيه
| |
إلى الأبد
| |
أذكر منه ثلاث ذكريات..
| |
ضحكته التي تتدحرج أمامه دائماً
| |
سيارته التي حملت حبيبتي من المطار
| |
كلمته التي ظل يرددها حتى مات:
| |
أنا نهر
| |
ولا تستطيع امرأة أن تسبح في مائي
| |
مرتين
..............................
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق